2018/02/03

ذاكرة سجين_76

الترحيل بين السجون


فجر كل يوم وفي كل صباحات تلك الأيام الباردة، نعيش لحظات هي قطع من جهنم، تمر وكأنها شهور، حينما يبدأ المنادي يصيح في بهو الحي، بأرقام السجناء الذي سيرحلون إلى سجون أخرى، نكون ملفوفين في فراشنا وقلوبنا في حناجرنا وأنفاسنا تتوقف وأجسادنا تتجمد. عشت على طول المدة التي قلت لكم ما الله وحده يعلمه وما سيسمعه الإنس والجن يوم العرض الأكبر، حينما أقف ويقف معي كل من ظلمني أمام الحق سبحانه.
حينما يتوقف صوت المنادي عن الصياح، نتفس الصعداء، وتتراخى أطرافنا وتعود الحياة إلينا ونحمد الله حمدا صادقا من قلوبنا. ونفس العذاب نعيشه فجر كل يوم.
وأما بالنسبة للمجرمين الخطرين، والذين يقاومون ولا يترددون في قتل أي حارس يجبره على الخروج، فتنقيلهم يتم وفق إجراءات خاصة. عند الفجر أو قبل الفجر، يأتي عدد من أشرس الحراس. أحدهم يفتح الباب بهدوء، والباقي يختبؤون ملتصقين بالجدار خارج الغرفة.
وحينما يطل الأول على "الشخص الخطر" في هدوء، يعطي للآخرين إشارة، وفي رمشة عين ينقضون عليه كلهم ويشلون حركته، يصفدونه، ويوقفونه وهم ملتصقون به، كي لا يضرب نفسه بحائط أو بإطار السرير الحديدي، ثم عند الباب يطوف به عدد آخر من الحراس ويذهبون به، ويأتي آخرون ليجمعوا أمتعته. شاهدت ذلك مرارا.
ما زلت لحد الساعة وفي كثير من الأحيان، أستيقظ صباحا وفي قلبي فزع، أجول ببصري إلى سقف البيت وجدرانه وحينما أعلم أنني في بيتي أتنفس الصعداء وأحمد الله.
مما كان يزيد من رعبنا من كابوس الترحيل، ما كان يحكيه لنا كبار السجناء، الذي جالوا بين السجون، عن ظروف تلك السجون، وعن روايات وقصص وأساطير. منها الحقيقي ومنها المبالغ فيه، لكن في كل الأحوال، أخطر ما في الترحيل هو قساوة الغربة.
كل هاته العذابات وفي الأخير ولما يهبك الله الفرج وتخرج وتمشي تحت شمس الله وعلى أرض الله، ينصب المجتمع نفسه قاضيا عليك وواعظا، وكأنك للتو نزلت بك السماء من جنات النعيم.
اسمحوا لي أصدقائي ... سأعود إليكم بعد حوالي ساعتين ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق