ذاكرة سجين_98 ..




عبدالقادر زعري

جواب القصر الملكي على رسالتي، هدأ كثيرا من نيران الظلم الذي ظللت أتشوى بها لثلاث سنوات، وتلاها تحسن ملموس في معاملة جميع موظفي السجن لي. معاملتهم لي كانت طيبة، لكنها زادت تحسنا.
حينما كتبت الرسالة الأخيرة لجلالة الملك، كتبتها وأنا في قمة التضرع لله أن يسخر لي من يسمع صوتي ويعي الخدع والحيل والمكر الذي وقع لي، والتدليس الذي مورس على المحكمة من طرف مسؤولي إدارتي بدس وثائق مموهة بمكر شديد.
ما كنت أقصده من كتابة الرسالة، بعد طلب الإنصاف، هو الحصول على الأمان، بعدما اقترب موعد الإفراج عني بسنة، وكنت متأكدا أن خروجي من السجن سالما من الموت البطيء الذي خططوا له، سيجعلهم يفكرون في مكائد أخرى أكثر.
بعد الجواب قلت في نفسي "الآن سأخصص ما تبقى من مدة السجن للراحة من هاته السلسلة الطويلة من المعارك، وبعد الإفراج سأواصل مراسلة الديوان الملكي والحق يعلو ولا يُعلى عليه.
لكن مباشرة بعد الإفراج، وُجهت لي طعنة قاتلة أخرى، هاته المرة من "أقرب المقربين". من آخر شخص كنت أفكر أنه سيخذلني في أخطر مرحلة من حياتي.
والسبب طبعا هو السجن وفقدان الوظيفة وأمور أخرى. للأسف صار الإنسان يوزن بما في جيبه. لكن الرزاق هو الله ولم يخب رجائي فيه والحمد لله.
هاته الضربة كانت قاضية ومدمرة ومدروسة شارك فيها أطراف عديدون، حسبي الله على جميع من ظلمني وانا في تلك الظروف. حسبي الله على كل من سلب مني ظلما كل دقيقة من حريتي، وعلى من سلبني درهما مما أعطاه الله لي.
خرجت حينها من السجن ويداي فارغتان ورأيت وعشت بمرارة تقلب نظرات القريب قبل البعيد بسبب محنة السجن. ولن أنسى طبعا وقفات رجال معدنهم من ذهب.
لكن من جهة ثانية كانت الضربة والحمد لله بداية الخلاص من مرحلة نحس خريفية من حياتي كانت مشئومة والعياذ بالله، مرحلة خراب سرحت فيها الغربان بكل حرية بنعيقها.
فبعد خروجي من السجن مباشرة نودي علي من طرف المصالح المركزية لوزارة المالية، لحضور المجلس التأديبي، واقتنعت اللجنة بفراغ ملفي. بقيت الاتصالات بيني وبين الوزارة مفتوحة، لكن الضربة التي تعرضت لها في مضجعي، خربت كل شيء كما سنرى. وكان من نتائجها الخضوع لعملية جراحية بعدما رأيت الموت رأي العين.
لكن الحمد لله. القافلة سارت برعاية ربها. وها هي تسير في عامها الخامس. واحمدك يا ألله حمدا يليق بجلال قدرك وجودك وكرمك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..