2018/02/05

ذاكرة سجين 77


عملية ترحيل السجناء من غرفتي كانت جد ضئيلة، فالإفراج عن أحدنا كان مستحيلا بحكم الأحكام الطويلة التي نفقضيها، ولهذا السبب بقيت أنام على الأرض عاما كاملا في انتظار الحصول على السرير. فكما سبق القول كانت الغرفة بها 16 سريرا فقط وعددنا الإجمالي حوالي 30 سجينا.
بعد العام كاملا حصلت على سرير وكان الحدث حدثا عظيما، وزعت فيه الحلوى والمشروبات، وقبل استغلاله، قصصت أنا وعتاة المجرمين زملائي شريطا أحمر على طريقة كبار المسؤولين الذين يدشنون مؤسسات عظيمة.

في السجن تحس بكل النعم ينعمها عليك الله، حتى البسيطة منها والتافهة تدخل عليك السرور العظيم، وتخلق منها فألا حسنا، وتجعل منها إشارة ربانية تبشرك أن بيد الله الخير كله، فقط عليك الاعتماد عليه.

عندما حصلت على السرير دفعت لسجين خياط خياط سبع أفرشة ليصنع لي منها "ناموسية"، مقابل علبتي ما ركيز. في السجن لا نستخدم المال. النقود ممنوعة، والمعاملات تتم بالمقايضة، على طريقة عهود ما قبل التاريخ. وسأعرض لذلك لاحقا.
وفي السجن لا نستخدم "الاسفنج" Le ponge)). بل ما كنا نصنعه بأيدينا كان صحيا أكثر ومريحا. كان الحاصل على السرير محضوضا، كنا كمن يسكنون فيلا، وبجواررنا من يفترشون الأرض، وكأنهم من سكان أحياء الصفيح.
هذا التجمد في والسكون في عملية توارث الأسرة بين الرائحين والقادمين، هو ما ساعد على تماسكنا نحن أصحاب أصحاب المؤبد والإعدام والثلاثين سنة والعشر سنوات وأكثر. فعندما تحمل حكما طويلا، تنضم تلقائيا إلى "النخبة"، نخبة المجرمين، ومع المدة يصبح كل من يعلم ما في رأس الآخر، وكل الأمور التي تطرح علينا كنا نتشاور فيها ونبث فيها بكلام قليل جدا، والباقي نستخدم فيه لغة الإشارة ونستخدم لغة العيون والغمز فقط.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق