ثلاثة أيام كاملة لم يفتحوا لنا الأبواب للفسحة والمشي، وتبادل المصالح والأغذية بالمقايضة. لم نعرف السبب. كان وقت صيفا، وسبق أن قلت لكم كيف تتحول الغرفة إلى فرن غارق في سيول من العرق، جزء من جهنم يعني.
في البداية وفي اليوم الأول وكان يوم عيد الفطر، تصاعدت نداءاتنا وصراخاتنا عبر أقبية السجن. صحنا حتى جفت حناجرنا وبكل قوانا "أيها الموظفون ... أجيبونا ... أنقذونا .. نحن نموت .. نحن نختنق .. أيها الناس .. أيها العالم .. قولوا لنا ما الذي يجري"
فجأة ناديت "أيها الإخوان هل قد يكون حصل شيء ما للدولة" قالوا كيف ؟ قلت "ربما
انقلاب أو اغتيال لشخص ما أو ..." فسارعوا إلى تشغيل الراديو والتلفاز بحثا عن الأخبار. فقال سجين "حتى لو وقع شيء فلن يقوله، حاولوا التقاط القنوات والمحطات الأجنبية خصوصا اسبانيا وفرنسا" فتوجهنا نحو السجناء الاسبان والفرنسيين وتحلقنا حولهم. فلم نسمع شيئا.
قلت لهم "أنقذونا بهاتف نقال لنعرف الخبر، شغلنا الهاتف وكل من نسأله نجده حامدا الله على حلول عيد الفطر السعيد. نسألهم هل رأيتم الملك يؤدون الصلاة، هل كل الأمور عادية؟ فيجيبون "هل جننتم الأمور عادية" فلا نستطيع أن نقول لهم أننا محجوزون كالخراف في أفران جهنمية ونتوق فقط للهواء النقي، فأخبار السجن هي أسرار لا يمكن إخراجها.
بقينا على عذابنا ثلاثة أيام بلياليها، ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة" ولتجنب الاختناق اتفقنا
أن نبقى منبطحين كلنا أرضا طيلة تلك المدة، لماذا ؟ لنفسح المجال لدخول الهواء. وكل من جاء دوره للاستحمام بالماء البارد يقوم ونعطيع ربع ساعة فقط، ثم يأخد مكانه منبطحا ويقوم الذي يليه وهكذا.
موظفوا السجن كلهم يرددون نفس الجواب "ليست لدينا أوامر". والسجناء الذين كنا نخشى من نزلات تصيبهم في التنفس، كنا نسمح لهم بالانبطاح ورؤوسهم تقترب من قضبان الباب الحديدي بحوالي نصف متر أو أقرب. يا لها من أيام ويا لها من جهنم ألقوا بي فيها غدرا. كنا والموت أصدقاء نشعر باقترابها في أية لحظة.
كنا نحن بعض المتدينين نتبادل كتيبات "الحصن الحصين" و"أذكار الصباح والمساء" و كل ما يجعلنا مرتاحين ومرتبطين بالرحمان الرحيم. حتى فتحوا لنا الأبواب فخرجنا نطير من الفرحة متجهين نحو ساحة الفسحة. بعضنا نام على أرضية الساحة على ظهره وكأنه مصلوب وهو ينظر للسماء ويقول "الحمد لله يا مولانا.. الحمد لله يا ألله.
كل هذا وحينما فات تلك الأيام وحينما تأتي ساعة الزيارة العائلية، نعتني ببعضنا كي يرونا لابسين النقاء ومرتاحين ونضع على وجوههنا أقنعة من الفرح والابتسامة والتظاهر بالسعادة. لكن عندما نعود للغرفة، نضع أغراضنا ونجلس ونخفي رؤوسنا ونحن نقاوم الدموع.
كنت دائما حين تشتد بي حالة اليأس والشعور بالقهر والظلم أتذكر "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق