2018/02/18

ذاكرة سجين_80



خلال ما تبقى لي من الحكم، أي عام وأربعة أشهر، ورغم انتظام شؤون غرفتنا وفرض الانضباط الصارم، إلا أن حالتي الصحية والنفسية ساءت، بشكل غير منتظر.
فإدارة السجن عمدت إلى حرماننا من الزيارة المباشرة، فقد كانت قاعة الزيارة كبيرة وفسيحة على شكل مقهى واسع، كل سجين وعائلته يمسكون طاولة ويتحلقون حول بعضهم، كأننا في جلسة عادية في مطعم عادي، كانت تلك السويعة بالنسبة لنا قطعة من الجنة.

فجلستنا مع أفراد العائلة تكون كأنك في الحرية، أتناول أطعمة أو حلويات تعدها لي إحدى شقيقاتي أو إحدى زوجات أشقائي، نمزح ونلعب، ألاطف أبناءهم الأطفال، وألاعب المشاعبين منهم. والأهم هو قبل الجلسة أنك تعانق بكل حرية جميع أفراد عائلتك، والأبوان على الخصوص كان لي معهما عذاب.
حينما أعانقهم، أبذل جهدا خارقا حتى لا تفلت الدموع وتفسد اللحظة، أتجمد وأبدي بعض رباطة الجأش وكأن الأمر عادي. لكن في داخلي الجمر يتقد وبين ضلوعي جهنم صغيرة توشك على الانفجار.
كنت وجميع السجناء، نلعب وبامتياز دور الممثل البارع، صاحب البطولة في الرجولة والثبات والرزانة وتجاهل آثار الحرب التي نخوضها يوما بيوم وساعة بساعة، في معركة الدفاع عن الوجود وقسط محترم من الكرامة.
لكن كما قلت لكم، حينما نودعهم ونروح لغرفنا، نضع أغراضنا التي جلبوها لنا، والقفة بما تحتويه من روائح الحرية والجو العائلي، ثم نتمدد ونغطي رؤوسنا ونتظاهر بالنوم. الرجال الكبار في الغالب لا يبكون، لكن قلوبنا هي من كانت تبكي دما، وأما الشباب اليافعين، كنت أرى منهم من يقطع المسافة بين قاعة الزيارة، والغرفة وعيناه مغرورقتان بالدموع.
الزيارة كانت في قاعة فسيحة والعائلات تتجمع وكأنها في فناء المنزل لكن ما الذي حدث ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق