الزيارة كانت في قاعة فسيحة والعائلات تتجمع وكأنها في فناء المنزل لكن ما الذي حدث ؟
ذات يوم دخلنا قاعة الزيارة، فوجدنا الصدمة القاتلة. لقد فصلوا بين السجاء وذويهم الزائرين، بطاويلة عريضة ومرتفعة من الاسمنت ومزلجة، على شكل سوق بيع السمك. والسبب كما قال المدير الجديد هو محاربة ظاهرة تسليم الممنوعات بين السجناء والزائرين.
هذا الإجراء وبخبرتي التي تكونت على مدى ثلاث سنوات، كان فاشلا من البداية، لم ينفع سوى في تدمير آخر ما كان يحفظ لنا كرامتنا وكبرياءنا أمام عائلاتنا، كنا نجالسهم لسويعة ونشم منهم روائح القرب العائلي ومتعة صلة الرحم وما استقر في ذاكرتنا منذ الطفولة، من ذكريات جميلة ممتعة ولذيذة.
الآن نقف هنا، وهم أمامنا مصطفون وكأننا نبيع لهم السردين، وبيننا طاولة ممتدة من أقصى يمين القاعة وحتى أقصى يسارها.
لكن ذلك لم يكن يمنعنا من معانقة الأهل والأحباب، فقد كنا نتمطط كالمطاط للوصول إليهم والسلام إليهم ومعانقتهم، ثم نجلس، لكن المسافة الفاصلة بيننا تمنعنا من الكلام بهدوء وبصوت خافت، فنضطر إلى رفع الأصوات بالصياح.
كانت القاعة قاعة زيارة عائلية وجلساتها هادئة وممتعة، فأصبحت سوقا وجحيما.
في كل مرحلة من مراحل السجن، كانت تنزاح عن ظهري أحجار من أثقال العذابات، فأتفائل وأقول هاته بشارة خير. ثم أُفاجأُ بأحجار أخرى تأخد مكان من سقط، ولعلكم تذكرون رواية "سيزيف" الأسطورية.
لايمكنك في السجن أن تتوقع ظروف التخفيف، مهما رأيت تحسنا. فالباب الحسن غالبا ما يؤدي إلى دهليز مظلم وبارد، ثم باب مضيئ ثم نفق وهكذا دواليك. ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق