رمضان والسجن_3 .. صلات التراويح 2/2


رمضان والسجن_3 .. صلات التراويح 2/2


في ذلك القبر ورفقة أخطر المجرمين، وخلال شهر الغفران، كان هناك التعايش التلقائي، بين عالم الجريمة وعالم الإيمان، المجرمون يحترمون الصلاة والمصلين والإمام، وتخشع قلوبهم لذكر الله بلا نفاق ولا رياء، التدين خالص لوجه الله، وعبادة الحي القيوم تلقائية ولا هدف منها سوى الله سبحانه وتعالى.


في أول رمضان، أتذكر أنني حينما توجهت لرئيس الحي، كي أطلب مساعدتنا لجلب قارئ للقرآن، لم يصدق في البدء، ودار بيننا الحديث التالي:

- سيدي الرئيس مرحبا
- أهل أستاذ تفضل ما الأمر ؟
- معذرة لدي طلب ربما هو غريب 
- هيا ما الأمر ؟
- أنت تعرف أنه رمضان دخل منذ أيام، وفي الليل، نسمع أصوات الأئمة داخل الغرف، وهم يتلون القرآن، ويحيون رمضان، بينما نحن نستمع فقط وكأننا الجن.
- أنت دائما تسكت ولا تطلب، كان عليك طلب تغيير الغرفة حيث يوجد من في قوبهم الرحمة والإسلام.
- لا سيدي أريد لو تسمح لنا بمساعدتنا على جلب حامل لكتاب الله، لنكون مثل باقي الغرف.
- ومن يقبل المجيء لغرفتكم يا أستاذي الكريم ؟
- لقد وجدنا سجينا / فقيها، وتفاوضنا معه وقبل، وطلب أن تأذنوا له بالانتقال إلى الغرفة.
- "تفاوضنا" من تقصد بكلمة "تفاوضنا" ؟
- أصحابي بالغرفة طبعا فلان وفلان وفلان ....
- وهل تصدق أن هؤلاء يفكرون حقا بالصلاة والتعبد ؟
- هل تصبر كي أحكي لك سرا عنهم ؟
- تكلم
- إنه في ليلة كل جمعة، بعد العشاء، يطلبون مني بإلحاح الحديث في الدين، وأنا أقص عليهم من قصص الأنبياء، وعوالم الغيب، ولكي يستمتعوا بالحديث، أسمح لهم بالتدخين وشرب القهوة والشاي أثناء الحديث، وكثيرا ما أرى الغلاظ القساة منهم، جاحظي الأعين وهم مستسمرون من التركيز مع القصص، بعضهم أرى في عينيه الدموع تأثرا. ولو شئت اسأل.
أجاب متأثرا : "الله يسمح لنا جميعا من هاته الدنيا، اسمع أستاذ، امنحني وقتا للبحث في الأمر، وسأبلغ رئيس المعتقل بالطلب حالا وأرد عليك.
وبالفعل أتانا الإمام مساء الغد، وما إن أدخله الحراس غرفتنا، حتى علت الحناجر بالصلاة على رسول الله، وكأننا استقبلنا أحد صحابة رسول الله.


أتذكر أنه وفي أول ليلة من العشر الأواخر من رمضان 2009، بمجرد ما شرع الإمام في ترتيل القرآن، وكان صوته رخيما وجميلا، كنا نسمع بعضنا يبكي في صمت، والآخرون في سكينة قلما يجود بها الدهر علينا ونحن في ذلك العالم المليء بالخوف والرعب والاضطراب النفسي والقلق الدائم.
السجناء من جنسيات وديانات أخرى، كانوا يمسكون عن الكلام والتدخين ويكتمون أصوات الموسيقى احتراما لنا وتأدبا مع ديننا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..