رمضان والسجن_4 .. موائد إفطارنا تتطاير في الهواء


رمضان والسجن_4  .. موائد إفطارنا تتطاير في الهواء


في السنة الأولى وفي الأيام الأولى من أول رمضان أقضيه في السجن، وبسبب ما يخلفة الإدمان على التدخين وممنوعات أخرى، كانت الغرفة تشتعل بالحروب الكلامية والمناوشات التي كانت كثيرا ما تتطور إلى حروب فعلية، يستعمل فيها المتشابكون كل ما يجدون في أيديهم، الأواني والملاعق والأكواب و"المقراج" والبراد" وكل شيء.


كانت الانفجارات تتوالى من العصر وحتى المغرب ولأتفه الأسباب، بل بدون أسباب. وكثيرا ما كنا نعد طاولة الفطور ونزينها بما نستطيع من مأكولات وعصائر، لكن وقبل الأذان بلحظات يعود بركان الأعصاب فيضرب على غفلة، فتتناثر الطاولة أشلاء في السماء وكأن انتحاريا انفجر بيننا.

ذات يوم قُمت قبل المغرب بساعة، وصرخت "أيها الإخوان لقد مللنا من هذا الوضع وكأننا في فلسطين، الناس تُفطر بخير وسلام، ونحن نفطر بالصواريخ، من لديه حساب مع شخص فليقُم بتصفيته في الساعة وليدع لنا الغرفة بسلام. يكفينا ما نحن فيه من هذا الويل الذي جاءنا به هذا الزمان. من غلبه الصوم فلا حرج عليه أن يُفطر. الصوم ليس بالجميل".

صاح سجين آخر "عندك حق أستاذ عبد القادر. يكفينا ما نحن فيه وعلينا حسم هذا الأمر" فأجابه آخر "عندي حل" فقلنا وماهو؟ قال "أي اثنان سوف ينفجران قبل المغرب سنقوم نحن بتربيتهم" فصاح الجميع "نعم نعم ..."

لكن وقبل اأذان انفجر عنصران منحوسان وكانا مشاغبين في الغرفة وتلاشت مائدتنا الجميلة مرة أخرى، هنا وبدون أدنى تفكير انقضضنا على العنصرين، نال المنحوسان من الضرب ما يناله الطبل ليلة العرس، لحظات وجاء الحراس يسعون.

صاحوا "هيا توقفوا. ما الذي يجري ؟" أجبناهم بصوت واحد: "هذين يضلان النهار كله وهم يخلقون لنا البلبلة والشغب، وعند المغرب كسروا لنا الطاولة والأواني وشتتوا لنا الفطور وهاهي الغرفة عاينوها لتتأكدوا".

أخرجوهما وأكملوا عليهما ما بدأناه، وذهبوا بهما إلى العقوبة، وعدنا لاتقاط ما تبقى من المائدة المنكوبة.

ولمزيد من الاحتياط، قررنا أن لا نمد الطاولة بمختلف الأطعمة والعصائر، إلا بعدما يؤذن مؤذن المغرب ونتأكد أنه قد زال خطر الانفجارات المُفاجئة.

حينما التحقت بغرفة "أخطر المجرمين" وطيلة ثلاث سنوات التالية، لم نكن نعاني من هذا الخطر. فالقانون كان مع هؤلاء واضحا وصريحا. كل شجار يحدث قبل المغرب، كانت المسطرة هي توجيه إنذار واحد لا غير بالهدور ومن يتعدى يأكل حصة غنية من الضرب، غالبا تكون ضربة قوية أو ضربتان موجعتان وندفعه للحراس ليُكملوا واجبهم.
ففي تلك الغرفة كان جميع الرفاق محكومون بمدد قاتلة. المؤبد والإعدام والثلاثون والخمس وعشرون والعشرون سنة. لذا كنا نحسم الأمور من جذورها. ولا وقت لدينا لتطويلها مع المشاغبين وغيرهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..