رمضان والسجن_5 .. المحاكمات المُرعبة في رمضان




رمضان والسجن_5 .. المحاكمات المُرعبة في رمضان


خلال شهر رمضان، جلسات التحقيق والمحاكمة لا تتوقف صباح مساء، كنا نتوجه للجلسات كالسكارى من شدة التعب والعياء وقلة النوم والحرارة الشديدة، زد على ذلك جو الكآبة والرعب والحسرة والألم الذي كنا نعيشه ليل نهار.


ففي الأيام العادية، كنا كلما اقتربت جلسات المحاكمة بثلاثة أيام، ومن شدة المعاناة مع القضاء، نتوقف عن الأكل ويهجرنا النوم، وفي يوم الجلسة نمضي النهار كله ونحن مصفدين، يتقاذفنا الحراس ورجال الأمن المكلفين بنقلنا وموظفي المحكمة، هذا يسلمنا لذاك، وذلك للآخر والآخر لمن بعده.

إجراءات قاسية وصارمة ومملة، من بهو لبهو، ومن مكتب لمكتب، ومن دهليز لدهليز، لنقف بعد خمس خمس أو ست  ساعات، أمام لجنة من القضاة وعددهم خمسة إضافة إلى ممثل النيابة (المغرق) وكاتب الضبط.

حينما نقف أمامهم كأننا أمام ملائكة جهنم. كلهم غلاظ شداد، ملامحهم جامدة متجمدة ونظراتهم حادة وساخطة، كل واحد منهم ينظر إليك وكأنك قاتل أبيه. لا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية، وفوقهم صورة الملك، تزيد الموقف خوفا ورعبا.

في رمضان، يتضاعف المشهد سوادا ورعبا. ينظرون إليك وكأنك المسئول عن جوعهم وعطشهم وقلة نومهم وسوء مزاجهم. لقد قُلت لكم من قبل، أن العديد من المتهمين المعروضين على الجنايات يمسكون عن الدفاع عن أنفسهم في ذالك الجو الأسود، ويسارعون الزمن لسماع الحكم مهما كان ثقيلا. لا لشيء سوى أن السجين المسكين لا يقوى على مواجهة تلك الأجواء المُرعبة، ويفضل ظروف السجن على ظروف معاملة المتهمين أمام قفص الاتهام. رعب ما بعده رعب.

في فجر كل يوم من المحاكمة أمام محكمة الجنايات، وفي رمضان وكل الرمضانات، نقوم ونصلي وكأنها آخر صلاة لنا في هاته الحياة الدنيا. كنا نتوضأ ونصلي وندعو الله وكأننا مُتوجهون نحو خشبة الإعدام.

فشدة الحر التي كنا نتلوى فيها ليل نهار، لم تكن تمنحنا الفرصة للتفكير في الجلسات التي نواجه فيها تهما من خمس سنوات وحتى المؤبد. كنا لا نهتم سوى بدوران الساعة لنصل إلى أذان المغرب، لإنقاذ النفس. كنا متمسكين فقط بالبقاء على قيد الحياة.

عندما أصل إلى أمام القضاة السبعة، والفصل صيفا والشهر رمضان، أصل كالشبح من شدة الرعب والعياء ومرارة الغدر والخذلان وليالي الأرق والخوف التي تسبق الجلسة بثلاثة أيام. بالكاد أستطيع سماع صوت القاضي، وكان صوته مثل صوت ملك الموت. 

هذا القاضي ومنذ الجلسة الأولى شرع في استفزازي والخكم علي، مما جعلني أثور في وجهه طول جلسات الجنايات الأولى وعددها سبعة عشر جلسة. بمعنى أنني كنت محكوما من طرفه ب"الدفن حيا" حتى قبل بدأ المحاكمة.

هذا القاضي وبعدما أدانني ظلما بعشر سنوات سجنا، قادته رجلاه إلى السجن في جولة ضمن قضاة من الابتدائية والاستئناف ومعهم وكيل الملك والوكيل العام، فحاصرته وأنا في حالة هستيرية من الغضب والصياح، صرخت في وجهه والجميع يسمعون:

"أيها السادة القضاة، أيها السادة وكلاء الملك، أيها العالم، أيها الناس، هذا القاضي حكم علي بعشر سنوات ظلما، كان يستهزئ بي في الجلسات وهذا ممنوع عليه، قولوا له من أين جاء بعشر سنوات، من قالها له، من أمره بها، أين وجدها، أنا بريء يا عالم ... بيني وبينه الله. أمام الله سيسمعني العالم وسيسمع العالم الحق ..."

كانت تلك الصرخات التي سمعها كل موظفي السجن وكل القضاة ووكيل الملك والوكيل العام وناس آخرون، من أهم أسباب التعجيل بعرضي على استئنافية الجنايات قبل الوقت المعتاد، وتخفيف الحكم.

تصوروا يها الإخوة والأصدقاء، لقد أمضيت ثلاث سنوات وأنا طالع هابط من المحكمة، نعم ثلاث سنوات. أنا لا أبالغ وأعني ما أقول، ومحاضر ملفي موجودة. موجودة لدى المحكمة بأرشيفها.

في كثير من الأحيان، أتوقف وأنظر إلى وجهي في المرآة وأقول مبتسما "هل أنا فعلا من أمضيت كل تلك الأهوال ؟". والحمد لله على قضاءه. والحمد لله في البدء وفي المنتهى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..