2018/06/10

رمضان والسجن_9 .. كبار المجرمين يعالجون صغارهم من الإدمان





عبد القادر زعري

قبيل دخول رمضان وحينما كانت ترتفع الحملات الأمنية ضد الجرائم المُرافقة لفصل الصيف، كانت تتوافد على السجن أفواج من الجانحين، وكان الغالب عليها هو فئة مُعترضي السبيل وأصحاب السرقة والنشل ومُروجي المخدرات. 


الفئة التي كنا نعاني معها هم مُروجو المخدرات القوية والأقراص المُهلوسة. يأتوننا وهم مُدمنون على على المصائب التي يروجونها. أما الباقي فقد كانوا أمامنا مجرد سائحين يسهل ضبطهم ومن رفع رأسه تأتيه مطرقة أحد كبار الغرفة وينتهي المشكل.

حينما يدخل أحد منهم علينا. نقوم ونُحيط به، نبدأ في استجوابه، الاسم واللقب والكنية والسن والسكنى والمهنة وكمية المحجوز ونوعه وحالته العائلية وكل شيء. ما إن تنتهي جلسة الاستجواب حتى تكون لدينا فكرة واضحة عن سلوكاته ومدى خطورته.
فإن كان مُبتلى وسلوكه طيب. نتعامل معه بلطف ونُطمئنه أنه لن يمسه سوء وأنه ستتم معالجته ويتخلص من إدمانه، ونقدم له وسائل الاستحمام والأكل ريثما يحمل له أهله حاجياته.
وإن كان معروفا بالشغب والبلبلة، يضع أحد كبار "مُجرمينا" يده على رقبته مهددا :"اسمع .. من الآن أنت هنا في الغرفة رقم 1 حي الباء، وتلك الألاعيب التي تمارسها بحومتك لن تُفيدك، فإما ستُقوم نفسك معنا وإما ستندم على اليوم الذي خُلقت فيه"، ثم يبقى منبوذا منا لأيام حتى تتغير سلوكاته ويطلب منا العفو ويتعهد بالاستقامة.
هاته الفئة. في الأيام الأولى بحكم إدمانها على المواد الخطيرة، كانت تعاني ونعاني معها. كل واحد منهم يمضي حوالي أسبوع وهو يقاوم مفعول المخدرات القوية، يتأوه ليلا ونهارا. كنا نوصيهم بالصبر ونشجعهم على المقاومة قائلين "اسمع صديقي.. اصبر .. ستكون بخير .. ذاتك تُصفى.. ستُصبح قويا ومعافى وستشعر بفرحة عظيمة بعدما تتصفى ذاتك .. هيا كُن رجلا .. صحتك ستتحسن .. رئتك ستتنقى ..".
وعند حدوث أزمة صحية ليلا أو نهارا لأحدهم ننادي على الحراس فيأتون مسرعين، يحملونه إلى مصحة المستشفى فيسعفونه ثم يعود على رجليه.
لاحظوا يا أصدقاء كيف كنا نحن "أخطر المجرمين" نعالج المجرمين الصغار من المدمنين على أخطر أنواع المخرات فتكا. شيء لا يقوم به لا المجتمع الذي لا يتقن سوى نبذ السجين، ولا حتى كثير من مؤسسات "المجتمع المدني".
الحقيقة أن سجن العناصر المُدمنة على المخدرات القوية، كانت نتائجه عموما جد إيجابية. فالسجين المدمن وبعد أيام من صحبتنا ومن العناية الطبية في السجن، كان يستعيد عافيته وتتحسن معنوياته كثيرا، وكانت أُسر هاته الفئة تفرح حينما يخرج للزيارة كالثور وتكون قد رأته قبل السجن وهو شبح مخيف وكأنه خارج من القبر.
لكن المؤسف هو أن المجتمع المدني لا يُكمل دور السجن، فهاته العناصر تخرج في صحة جيدة ومعنويات جيدة، لكن المجتمع وكالعادة، يقلب وجهه لكل خارج من السجن، والمُشغلون لا يشعرون بأي واجب إنساني تجاه السجناء المُفرج عنهم الراغبين في طي صفحة الماضي، فلا تجد هاته العناصر "التائبة" سوى شياطين الترويج. يكون التائب المسكين محاصرا وجيبه فارغ ومجتمعه متنكر فتُعرض عليه المُغريات فيسقط مرة أخرى.
كما أن القُضاة وبحكم تكاثر الملفات لا يجدون الوقت الكافي لطرح السؤال "لماذا عُدت؟". مباشرة ما إن يرى القاضي في الملف أن السجين ذو سوابق، حتى يقول له "دخلت السجن وخرجت وعُدت.. أنت رأسك ساخن لا تريد أن تستقيم. ثم يُطلق رصاصة الحكم بسرعة ويُنهي القضية، والمجتمع يردد "فلان يستحق .. لميشأ أن يخدم عقله .. يستحق"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق