2018/06/10

رمضان والسجن_8 .. في غشت ومن شدة العياء نعجز عن المضغ ونكتفي بالسوائل


عبد القـار زعـري

في الأيام الأخيرة من شهر رمضان كنا نصل إلى ذروة المعاناة. كما قلت لكم كان يتزامن مع شهر غشت. وبسبب ارتفاع درجة الحرارة والاكتظاظ وقلة النوم وطول ساعات الصيام والعياء والإرهاق، كنا نصل لدرجة من الإعياء حتى لا نقوى حتى على المضع. ما إن يؤذن مؤذن المغرب حتى ننخرط في استهلاك السوائل وراء السوائل وكأننا خارجون من جهنم.



شخصيا ظللت طوال الرمضانت الأربع، أهجر المضغ، كل أكلي كان السوائل، بعض "الحريرة" والحليب والأجبان والعصائر واليوغرت لا غير. وهذا ما كان يصيبني في العشر الأواخر بالهزال، أصبح رخوا والعينان جاحظتان كالسمكة.

وكانت تمر الساعات علينا طويلة وطويلة جدا أكثر من اللازم. ويسيطر علينا الملل الشديد والقاسي. طوال اليوم نتقلب عطشا وأرقا كحوت يُقلى في المقلاة. وبعد المغرب نشرب ونشرب، بطوننا تنتفخ بالسوائل، والسوائل تخرج عرقا يتصبب باسمرار. فالغرفة ضيقة والاكتظاظ شديد والتهوية ظئيلة.

بعدما نروي ظمأنا ونملأ بطوننا عيوننا تبدأ في الدوران، ونُصاب بشبه دوار في الرأس، فنرتمي على الأرض ونتمدد في شبه غيبوبة، نبقى حينا من الوقت حتى يفوتنا الدوار ونستعيد بعض قوانا لنكمل الليلة.

حينما نشعر بالاختناق من شدة الضيق ةالحرارة ودخان المدخنين، نصيح ونطالب الجميع بالجلوس أو الانبطاح أرضا أوالتمدد على الأسرة، لكي نفسح المجال للهواء كي يتحرك في الغرفة. الأحوال مرت علي مؤلمة والمعانات قاسية. لازلت لحد الساعة وكلما حل شهرا غشت ويوليوز أتذكر أحوالي مع الشهرين في السجن، فيعود الإحسان بالقهر،ومعه يعود الإحساس بكرم الله ورحمته لي بالإفراج.

ومع كل ذلك العذاب، كنا نحن "أخطر المجرمين" نواظب على صلاة التراويح، ونتنافس بإكمال الركعات الثمانية كلها. وكان زملاؤنا غير المُصلين يساعدوننا بالانبطاح أرضا والتمدد على أسرتهم ليفسحوا لنا المجال لدخول هواء خفيف وعذب، حين الصلاة كنا نشعر به وكأنه طيف نور نازل من جنات عدن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق