ما إن أدخل الحمام ويسمعوا صوت إغلاق الباب، حتى يستفز الشاب النحيل ذلك الوحش، ليستدرجه للقتال، فيقع الأخير في الفخ، ويهجم عليه، فيرد الآخرالضربة، فينقض عليه الجميع من كل جانب فتتزلزل الغرفة، وينقلب سافلها على عاليها.
وفي ثوان معدودة، يسقط هذا الجبار جريحا مهزوما. يأتي الحراس، يسحبون المصاب إلى المصحة، ويقاد الشاب إلى غرفة العقوبة، ليعرض الاثنان على المجلس التأديبي، الشاب الذي ينوب عنا في منازلة الخصم، نتدخل لإرجاعه إلينا وتنفعنا في ذلك الشكايات العديدة التي نكون قد دفعناها، كما كنت أتدخل لدى رئيس الحي الذي كان لا يرد لي طلبا، وأما الآخر فيتم نفيه إلى حي آخر.
كنا شديدي الحرص على الهدوء واحترام القانون الداخلي للغرفة، وكل من يسبب لنا القلاقل وينشر البلبلة والفوضى ويصبح عنصر إزعاج أو تهديد، نحذره مرة ومرتين وثلاث، وحينما يرفض الحراس تحويله من غرفتنا، كنا نتخلص منه، والسعيد منهم من يفلت بجلده.
فحينما يحل بنا عنصر مثل هذا، فهو أولا يخلخل قوانين اللعبة وموازين القوى، هذا من جهة. من جهة ثانية وبسبب كثرة مشاكله، نعاني من تدخلات كثير للحراس داخل غرفتنا، ومن يتسبب في كثرة مداهمات الحراس، عليه ألا يبقة معنا بأي وجه كان.
فحتى زملائي من كلا الفريقين، حينما كانت تنفجر بينهم صراعات دامية، وحينما يأتي الحراس جريا ليسألوا ما السبب؟ كان المصاب يختفي ويجيبهم باقي السجناء "لا شيء لاشيء نحن فقط نمزح". وكل ذلك كي تظل الأسرار داخل الغرفة، ولكي نتجنب اقتحام الغرفة من طرف الحراس، ونقطع الطريق أمام سلسلة من التحقيقات. الهدوء عندنا كان مقدسا وشؤوننا الداخلية نحلها بيننا.
قارنوا بين بين حرص هاته "الوحوش البشرية" على كتمان أسرار بعضها البعض وهم خصوم وأعداء ومجرمون وقتلة وسفاحون، وبين تصرفات كثير من البشر النقي التقي، صاحب شهادة "حسن السيرة"، ممن يتخاطفون من أجل كشف أسرار الناس ليطيروا بها كالبرق فرحا وشماتة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق