ذاكرة سجين_84


كان معنا في الحي رجل من نواحي مدينة طنجة سأرمز له باسم "أنور"، محكوم بعشر سنوات على ذمة الاتجار الدولي في المخدرات، كا أمضى منها ثمانية وبقي له منها أقل من عامين. جاء إلي بعد أيام قليلة من تنقيلي إلى حي الباء الذي أمضيت به ثلاث سنوات، وكان يوم عيد للفطر.
سلم علي وقال "أخي عيدك مبروك" فرددت على الفور بشكل روتيني "بارك الله فيكم أخي". لكن بقي ممسكا بيدي وقال "لقد سمعت بمأساتك، والرجل الذي ورد اسمه ضمن من سبب لك هاته النكبة تجمعنا به روابط عائلية". على الفور رفعت نظري إليه وقلت "قل لي ماذا تقصد بسرعة، اليوم يوم عيد وعلي أن يمر بدون مشاكل".
ابتسم وقال "أبدا أخي العزيز، نحن في العائلة نتبرأ منه، وأنا أبلغك أننا متأسفون لما حصل لك". لم أشعر حتى تعانقنا بقوة ومن غير كلام ونحن نغالب الدموع. قلت له "أعرف أخي الأصل الطيب يبقى طيبا ولو خرج من فرع فاسد.
كان رجلا طويلا عريضا يحرص على حلق شعر رأسه على طريقة رجال المافيات، لكنه كان لين الأقوال والأفعال، يحافظ على صلواته، وكثير الاستماع إلى الأخبار والبحث عن أخبار عصابات التهريب الدولي، عبر الراديو والتلفاز والجرائد.
كنت ما إن أسأله عن شحنة ضبطتها الدولة، يسارع ويقول "قل لي مكان وزمان ضبطها وكميتها" حينما أجيبه على الفور ومثل الحاسوب يخبرني بكل تفاصيلها. كما كان ومن السجن يستخدم الهاتف بكثرة وحسب مقربين منه كان يدير وينسق عمليات تهريب.
المهم. ذات صباح باكر. حل رجال مسلحون على غفلة، اقتحموا الغرفة، صفدوه وذهبوا به، وفي الغذ عاد ورجع لمكانه، وهو في حالة نفسية غاية في السوء. كان لون وجهه أبيض فعاد أزرق. قيل إن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء طارت به من طنجة إلى الدار البيضاء واستمعت له وأعادته، وأنه متورط في تهريب كمية أخرى، والحكم سيكون عشر سنوات أخرى.
تأسفت لحاله كثيرا، لكنني انتظرت حتى تهدأ الأحوال لمعرفة حقيقة الأمر. فرفاقي في غرفتي وكلهم من أخطر المجرمين، علموني بتجاربهم أن الإنسان عليه أن يكون ذا دم مثلج ليفهم.
بعد أيام وأثناء الفسحة، ذهبت إليه واقتربت منه بهدوء وبعد لحظات من الاستئناس، خاطبته مبتسما "أخي أنور، كنت في غنى عن هاته المشاكل التي سمعتها عنك، بقي لك عامان لتخرج والآن الوضع تعقد" (يعني أنه سيُحكَم عليه بعشر سنوات أُخرى). صمت صمتا مطبقا.
فتابعت القول "معذرة أنا لا أعطي الدروس، وأنا أقدر أن توفير لقمة العيش في هذا الزمن أصبح بالحلال أمرا شبه مستحيل، لكن كيف نزل بك حكم الله وأنت على وشك معانقة الحرية بعد حكم بعشر سنوات، ستخرج من عشر لتدخل عشرة أخرى، أنا مصدوم منذ علمت الحقيقة، لكن كن رجلا، وكل ما نملكه ونحن في السجن هو رجولتنا وإيماننا بالله"
يتبع...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..