رمضان والسجن_2






رمضان والسجن_2

الغريب هو أن السجناء من جنسيات مختلفة وأغلبهم من أوروبا الشرقية كانوا يتضامنون معنا. كانوا يرفضون الأكل والشرب والتدخين أمامنا. تصوروا. هؤلاء "الكفرة" واحتراما لمشاعرنا، كانوا يرفضون رفضا قاطعا تناول أي شيء أمامنا.

كنا نتأسف لحالهم ونحن في تلك الظروف التراجيدية من الحرارة والاكتضاض والاختناق والعياء. نحن مسلمون والصيام علينا فرض. لكن لا شيء كان يفرض عليهم اتباعنا. كان سلوكهم نابع من احترام مشاعرنا وتأدبا معنا. فأية إنسانية هاته.
السجن عذاب وحسرة وألم ومعاناة، لكن استماتة الأجانب في التضامن معنا، في عز شهر غشت ورمضان، كان يجعلنا نشعر أن الإنسانية فوق الفروق التي خلقتها السياسات والحدود والتاريخ وفلسفات العداء بين الجنس البشري.
كان الأجانب من جنسيات مختلفة، حينما يشتد بهم الحال، يخفون حليبا أو يوغرت أو شيئا من الحلويات. يستغلون وقت القيلولة نهارا حينما ننخرط في نوم من جراء العياء، ثم يتناولون وبسرعة البرق ما ينقذون به أنفسهم من الجوع والعطش الشديدة. وكل ذلك لكي لا يراهم أحد منا نحن المسلمين.
وحتى إن رمقهم أحد منا، يسارعون إلى الاختباء ثم الاعتذار، وكأنهم فعلوا فاحشة. من جانبنا نحن السجناء، كنا نخلي لهم في ساعة الفسحة مساحة تقع في أدنى الساحة، يتجمعون فيها على شكل حلقة دائرية، ثم يشرعون في التدخين وهم خافضي الرؤوس نحو الأرض، وعندما ينتهون، يتفرقون ويقصدون صنبور الماء الموجود في الساحة، فيغسلون أسنانهم بمعجون الأسنان، ثم يتفرقون. أيه إنسانية هاته. النفس البشرية مجبولة على مكارم الأخلاق.
ولنا هنا أن نقارن بين هاته النفوس المخالفة لنا في الديانة، وبين تلك الفلول التي كانت ولا تزال تنادي بحقها في الأكل والشرب علانية وأمام برلمان هاته الأمة المسلمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ المغرب .. الثائر أحمد الريسوني

10 إستراتيجيات للتحكم في الشعوب في كتاب لنعوم تشومسكي

مقتل الجنرال الدليمي .. هل تم تفجير سيارته بواسطة قنبلة موقوتة حولت جسده إلى أشلاء ..