عبد القـادر زعـري
كما قلت لكم كنا نتعذب شوقا لحلول عيد الفطر، ونظل نعد الأيام والساعات والدقائق لوصوله، عند سماع خبر حلول عيد الفطر، ننتفض فرحا، لا لشيء سوى لأننا كنا معذبين بالعطش وارتفاع درجة الحرارة وقلة النوم، وكنا نصاب بالإنهاك الشديد من جراء الصوم وعدم القدرة على الأكل، ونحن في غرفة هي كالفرن، وكنا نكتفي بالسوائل.
ليلية العيد تكون أفراح وعند الاستيقاظ صباح العيد تكون الأحزان في الانتظار. فعند الاستيقاظ صباحا، نحس بالصدمة لأننا في السجن وهو يوم عيد تفرح فيه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها. اليوم الذي رضعنا فرحته منذ الصغر، فيه التراحم والتزاور ودفئ العائلة والكون كله يفرح يقاسمنا فرحته.
طيلة يوم العيد ومن شدة الحزن والحسرة وألم الغربة، لا نتكلم إلا بصعوبة، ، كنا فقط نحملق في بعضنا البعض من دون كلام. كانت النظرات معبرة وناطقة والكلام لا فائدة منه.
وحتى إن اضطررنا للكلام، كنا نتكلم بصعوبة وبصوت ثقيل وحزين وبكلمات قليلة وثقيلة وكأن على صدورنا الجبل جاثما، وكأننا في مأثم. الرجال عادة لا يبكون، لكن قلوبنا كانت تقطر ألما ودما. بعضنا كان يتشجع ويذهب لصلاة العيد في مسجد السجن، لكن حين نعود للغرفة لا بسين للبياض، نسارع إلى أماكننا ونخبئ رؤوسنا بين أطراف ملابسنا، ونشرع في بكاء غزير وصامت، بعدها نخلد للنوم أطول مدة ممكنة.
قبل العيد نكون مشتاقين لأيام الإفطار لنتخلص من الجوع والعطش والحرارة. لكن يوم العيد نفقد الشهية للأكل ونكتفي بقليل من الأكل والماء، ويسيطر علينا اكتئاب فضيع، ويسود الغرفة سواد وظلمة وسحابة حزن وصمت رهيب.
وبكاء
أنا وزملائي من ذوي الأحكام الطويلة، كنا في قمة الموعاناة، ونمضي سحابة اليوم كله ونحن نيام، فالنوم كان وحده ملاذنا حينما يخنقنا الاكتئاب. كنا ننام وننام في انتظار مرور يوم العيد كي ننساه ونلتحق بالأيام العادية.
شيء آخر. وهو أننا طيلة يوم العيد كنا نتفادى الإجابة عن نداءات عائلاتنا حينما يتصلون للتبريك والتهنئة، ونوصي من يحمل الهاتف بعبارة مشتركة وهي "إن نادي علي أحد فقل له إنه نائم" والسبب هو أننا تجنب اللحظة الصعبة، وهي سماع صوت أحد أفراد العائلة. فحينما تسمع صوت أحد من العائلة فالنتيجة هي الانهيار بالبكاء الشديد المؤثر والمرير. لذا كنا نفضل تفادي الموقف والانخراط في نوم طيلة اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق