عبد القـادر زعـري
كنت قد ذكرت لكم نبذة عن السجين الشاب ياسين، الشاب الوسيم ابن مدينة العرائش، ذو الوضع المأساوي، وهنا لابد من إعطائه بعض الحق فيما يخص تعامله معنا في رمضان.
"ياسين" كان قد حكم بخمس سنوات بتهمة إضرام النار، اتهمه شخص كان يستفيد من خدماته في كل شيء منذ صغره. ياسين كان وليدا حينما تخلى عنه أبوه، شهورا قليلة بعد ميلاده توفيت أمه فكفلته جدته المسكينة. دفعته للمسيد ليتلقى تعليما عتيقا، ثم تسلمه الشخص الذي جعل منه خادما أو بالأحرى عبدا.
هذا الإنسان لما آنس من ياسين رشدا وكبرا ورغبة في الاستقلال بنفسه، "لفق" له تهمة إضرام النار، في ابتدائية الجنايات علم القضاة أن في الأمر شكوكا فحكموا عليه بخمس سنوات كعقوبة جد مخففة.
لكن وفي مرحلة الاستئناف، اعتقد رئيس الجلسة أن الحكم السابق كان مشوبا بدفع رشوة ما فرفعوه له إلى عشرين سنة دفعة واحدة، خصوصا وأنه كان يافعا و"دغريا" والحياة علمته السماع والخضوع.
بعد الحكم عليه بعشرين سنة، دخل في صمت مطبق لمدة أربعة أشهر، كان غير مصدق لما وقع له. بعدها بدأت تظهر عليه علامات الغضب. لم يتفهمه السجناء في حي "ب" واستفزوه فضرب سجينا. وكعقوبة له أتوا به من حيه، إلى حينا وإلى غرفتنا بالضبط.
أول ما رآني فرح واستبشر. جاء وعانقني. ولما علم أنني رئيس الغرفة زاد فرحه وسروره. ولولا أنه وقع في يدي أنا الذي كنت أرافقه في جلسات المحكمة، لكان مصيره مؤلما وداميا في غرفة "أخطر المجرمين". فبمجرد تم إدخاله علينا، قمت وشرحت لزملائي وضعيته، وقلت لهم :
"الإخوة من فضلكم. هذا ياسين صديقي، محكوم بعشرين سنة ظلما وعدوانا. وهو "رُويجل. ولقد كان العديد من السجناء في حي "ب" يعتدون عليه. لكن هنا لن يتكرر الأمر. لا مجال "للحكرة" هنا. وعليكم ألا تغلطوا فيه، لا تستفزوه وأي أحد منكم يشتبك معه، فلن أُصدق كلامه وسأشهد لصالح ياسين. لا تستفزوه وستجدونه صديقا وفيا" ثم زودته بوسائل الاستحمام وقدمت له بعض الطعام وأمرته "ياسين خد وادخل للحمام وغير ملابسك وكُل. في الصباح أخرج أغطيتك للساحة للتشميس واذهب للحلاق وفي المساء ستشعر معنا بالسعادة ولن يمسك أحد وستُمضي معنا الحبس بسلام هنا".
السجناء طبعا تابعوا المشهد، فانفتحوا عليه وأدمجوه بسرعة معهم واسمرت قافلة غرفتنا في السير في تلك الغرفة.
واصل صمته ليل نهار. ثم بدأت نفسيته تتدهور. إلى أن انفجر ذات ليلة. ومعه صُعقنا جميعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق