2018/06/08

رمضان والسجن_7 .. قصة ياسين المأساة 2/3





عبد القـادر زعـري

في يوم من الأيام وعند المغرب، وقف ياسين وتوجه نحو الحائط وصرخ صراخا هستيريا أفزعنا كثيرا: "أيها الحائط، أيها الحجر اسمع، السماء والأرض والعالم كله لم يصدقني أحد منهم في هاته الدنيا بأنني بريء، أما أنت فسوف تفهمني، يقولون أنك حجر لا تتكلم ولا تفهم، أنا وأنت نعلم أنهم كذابون".


ومن يومها أصبح ياسين ويوميا يمضي سحابه فس صمت مطبق أو مكلما الطيور في الساحة. ومساءا وما بين المغرب وإلى ما بعد العشاء، يقوم ويبدأ في الصراخ وهو يكلم الحائط ويروي له ويجادله ويناقشه ويشكو له ويستشيره ويبوح له بأسراره، ويبقى هكذا لساعتين أو أكثر، حتى تنهار قواه فيخر على الأرض وينكمش إلى زاوية من الغرفة، ويستسلم للنوم. عانينا معه الأمرين.


وفي الصباح وخلال الفسحة التي تدوم ساعتين، كان يخرج للساحة ويكلم الطيور، وحينما يراني يأتي إلي ويشرح لي ما يقولون. كنت الوحيد الذي أسايره وكان يرتاح لي. كان همي ربما أكثر منه، لكن كنت أتناسى همي وأشفق لحاله.

في أول رمضان لاحظنا أنه قام وتوضأ وصلى، استغربنا للأمر. ولما فرغ من الصلاة، دار بيني وبينه الحديث التالي:

- ياسين اللهم تقبل
- آمين "خاي عبد القادر.
- كان عليك ان تدعوني للصلاة معك لنربح أجرا مضاعفا
- لا كل شاة تُعلق من رجلها 
- لكن نحن هنا في السجن في مركب واحد. ننجو جميعا أو نغرق جميعا
هنا المسكين بدأ خيط العقل ينفلت منه وقال :
- أنا كنت لا أصلي لأن الذين جاءوا بي يصلون
- إذن كيف صرت تصلي؟
- إنهم جاءوني بالأمس وطلبوا مني أن أصلي وقالوا إنهم سيتكفلون بمن جاؤوا بي.
- من هم الذين جاؤوا وطلبوا منك الصلاة
- لدي أناس يجلبون لي الأخبار يصعدون إلى السماء ويمرون مباشرة إلى مكتب الأنبياء وينقلون من الكتب ريأتون لي ....
- ياسين أنت دائما ترفض أن تذهب معي إلى طبيب السجن لأخد الدواء (كنت دائما أحاول عرضه على الطبيب النفساني للسجن وكان يرفض). ألم يقولوا لك أنك مُخطئ في تعنتك ؟
- لا أبدا. الذين أتوا بي هم الذين سيأخذون الأدوية. قال لي الملك جبريل .. فقاطعته قائلا :
- هيا ياسين من اليوم كلما صليت الصلوات الخمس بعد العشاء سأمنحك سجارتين
- صحيح ؟
- نعم لكن إياك والغش
- لا اطمئن "خاي عبدالقادر" أن تعرفني. لدي كلمة واحدة. نحن رجال.
- اتفقنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق